أصوات من تحت الأرض: ألغاز الطنين الغامض الذي حيّر العلماء

 





في عدد من مدن العالم، من كندا إلى نيوزيلندا، ومن اسكتلندا إلى تايوان، أفاد آلاف الأشخاص عبر العقود بسماع أصوات طنين منخفضة وغامضة، تشبه صوت محرّك يعمل في عمق الأرض، أو ذبذبة مستمرة لا يستطيع أحد تحديد مصدرها. والأغرب؟ أن الغالبية لا تسمعها… بينما يعاني منها البعض حتى الجنون.

تم إطلاق عدة أسماء على هذه الظاهرة، أشهرها:
"The Hum" أو "الطنين" – صوت لا يسمعه الجميع، لا يمكن رصده بالأجهزة بسهولة، ويظهر فقط في أماكن وساعات محددة. فهل هو ظاهرة فيزيائية؟ نشاط جيولوجي؟ أم شيء… أبعد من العلم؟


البداية: صوت لا يراه أحد

سُجّلت أولى التقارير عن "الطنين" في ستينيات القرن الماضي في مدينة بريستول البريطانية، حيث بدأ بعض السكان يشتكون من سماع صوت خافت يشبه زئير بعيد، أو ذبذبة كهربائية منخفضة التردد.

قال البعض إن الصوت يشتد ليلًا، ويصيبهم بالأرق والقلق، وأحيانًا بالصداع أو الدوخة. لكن المشكلة كانت أن السلطات لم تكن تسمع شيئًا، ولم تستطع الأجهزة التقاط أي ضوضاء غير طبيعية.

ومنذ ذلك الوقت، انتشرت الظاهرة عالميًا، وبنفس التفاصيل: طنين غريب، لا يُسجّل، ولا يتوقف.


هل يسمعه الجميع؟

الغريب في ظاهرة "الطنين" أن نسبة قليلة فقط من السكان يسمعونه. يقدّر بعض الباحثين أن 2% فقط من الناس قادرون على سماعه، وغالبًا ما يكونون في الفئة العمرية بين 40 إلى 70 سنة.

لم يُعرف السبب بدقة، لكن يُعتقد أن هذه الفئة تمتلك حساسية خاصة لترددات معينة من الصوت، أو أن لديهم قدرة إدراك صوتي فريدة.
وهذا يطرح سؤالًا أكبر:
هل هناك ذبذبات تحيط بنا طوال الوقت، لا نسمعها… لكنها موجودة فعلًا؟


محاولات علمية للتفسير

خلال العقود الماضية، حاول العلماء تفسير هذه الظاهرة، واقترحوا عدة نظريات:

  1. الموجات تحت الصوتية (Infrasound):
    وهي موجات صوتية بتردد أقل من 20 هرتز، لا يسمعها الإنسان عادة، لكنها قد تُسبب شعورًا بالضيق أو الهلع أو الصداع.

  2. نشاط جيولوجي أو زلزالي:
    بعض المناطق التي سُجّل فيها الطنين تقع فوق صدوع أرضية نشطة، مما قد يُنتج ذبذبات طبيعية تحت الأرض.

  3. الضوضاء الصناعية:
    مصانع أو محطات توليد الطاقة قد تُصدر ذبذبات لا تُسمع بالأذن العادية، لكن تترك أثرًا محسوسًا لدى البعض.

  4. الطنين الذاتي (Tinnitus):
    وهو اضطراب سمعي يجعل الإنسان يسمع صوتًا داخليًا دون وجود مصدر خارجي، لكن حالات الطنين الجماعي تُضعف هذه النظرية.

ورغم كل تلك التفسيرات، لم يتم التأكد من السبب الحقيقي، وبقيت الظاهرة غامضة… ومُربكة.


الجانب المظلم: هل هناك شيء يُخفى عنا؟

بعض الباحثين غير التقليديين طرحوا فرضيات أكثر جرأة:

  • تجارب عسكرية سرّية:
    مثل اختبارات لموجات كهرومغناطيسية، أو أسلحة صوتية تعمل على مستويات تحت صوتية.

  • ترددات تحكّم بالعقول:
    وهي فرضية شائعة في أوساط نظريات المؤامرة، تشير إلى استخدام ذبذبات معينة للتأثير على سلوك البشر.

  • نشاطات غير أرضية:
    يربط البعض بين الطنين واختفاءات غريبة، أو ظهور أضواء غير مفسرة، خاصة في المناطق الريفية النائية.

ولا توجد أدلة دامغة تؤيد هذه الفرضيات، لكن كثرة الشهادات، وتكرار نفس التجربة في أماكن متباعدة، جعلت الكثيرين يعتقدون أن شيئًا ما يحدث… ولا يُقال لنا عنه.


حالات شهيرة من الطنين الغامض

  • تاوس، نيو مكسيكو:
    بلدة صغيرة في أمريكا أصبحت مشهورة بظاهرة الطنين، حيث أبلغ عشرات السكان عن سماع ذبذبة مستمرة، رغم فشل الأجهزة في رصدها.

  • أوكلاند، نيوزيلندا:
    تم الإبلاغ عن الطنين هناك منذ التسعينات، وفتحت الحكومة تحقيقًا، لكنه أُغلق دون نتائج واضحة.

  • وينيبيغ، كندا:
    أكد السكان أن الطنين يترافق أحيانًا مع اهتزازات خفيفة في الأرض، لكن التحقيقات لم تُثبت أي نشاط صناعي مسؤول.


الخلاصة: بين العلم واللا تفسير

سواء كان الطنين ناتجًا عن ظاهرة طبيعية غير مفهومة بعد، أو عن تكنولوجيا مخفية، أو حتى عن شيء لا تستطيع الأدوات العادية قياسه… فإن المؤكد أن أصواتًا غريبة تُسمع من تحت الأرض، وتؤثر على البشر بطرق مجهولة.

وربما يكون السؤال الأهم الآن هو:
هل نحن نعيش وسط ذبذبات لا نراها ولا نفهمها… لكنها تتحكم بنا أكثر مما نتصور. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فندق أراك؛ الفندق الذي أصبح مكبا للنفايات ومسكنا للجن

الإسقاط النجمي: ماهو الإسقاط النجمي وكيف يتم :

مخطوطه العزيف اخطر كتاب قتل صاحبه